فصل: ما وقع من أحداث سنة ثلاث وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء (نسخة منقحة)



.ما وقع من أحداث سنة إحدى وسبعمائة:

ثم دخلت سنة إحدى وسبعمائة:
ذكر وفاة الخليفة:
وفي هذه السنة توفي أبو العباس أحمد، الملقب بالحاكم بأمر الله، المنصوب في الخلافة، وقد تقدم ذكر ولايته ونسبه في سنة ستين وستمائة، والخلاف في ذلك، ولما توفي الحاكم المذكور، قرر في الخلافة بعده ولده سليمان بن أحمد، وكنيته أبو الربيع، ولقب بالمستكفي بالله.
ذكر الإغارة على بلاد سيس:
وفي هذه السنة جرد من مصر بدر الدين بكتاش أمير سلاح، وأيبك الخزندار معهما العساكر، فساروا إلى حماة، وورد الأمر إلى زين الدين كتبغا نائب السلطنة بحماة، أن يسير بالعساكر إلى بلاد سيس، فخرج كتبغا المذكور من حماة، وخرجنا صحبته في يوم السبت الخامس والعشرين من شوال في هذه السنة، الموافق للثالث والعشرين من حزيران من شهور الروم، وسار العسكر صحبة زين الدين المذكور، ودخلنا حلب يوم الخميس مستهل ذي العقدة، ورحلنا من حلب ثالث ذي القعدة، ودخلنا دربند بغراس سابع القعدة من الشهر المذكور، وانتشرت العساكر في بلاد سيس، فحرقت الزروع ونهبت ما وجدت، ونزلنا على سيس وزحفنا عليها وأخذنا من سفح قلعتها شيئاً كثيراً من جفال الأرمن، وعدنا فخرجنا من الدربند إلى مرج أنطاكية، ووصلنا إلى حلب يوم الاثنين تاسع عشر ذي القعدة من هذه السنة، وسرنا إلى حماة ودخلناها يوم الثلاثاء السابع والعشرين من الشهر المذكور، الموافق للرابع والعشرين من تموز من شهور الروم، ودخل زين الدين كتبغا المذكور حماة وقد ابتدأ به المرض.
ذكر غير ذلك من الحوادث:
في هذه السنة مات قبجي بن ردنو بن دوشي خان بن جنكزخان، صاحب غزنة وباميان وغيرهما من تلك النواحي، وخلف من الأولاد بيان، وكبلك، وطقطمر، وبغاتمر، ومنغطاي، وصاصي. فاختلفوا بعده واقتتلوا، ثم انتصر فيما بعد بيان بن قنجي واستقر ملك غزنة على ما سنذكره.
وفيها توفي صاحب مكة الشريف أبو نمي محمد بن أبي سعد بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي ابن الحسين بن علي رضي الله عنهم، واختلفت أولاده وهم: رميثة، وحميضة، وأبو الغيث، وعطيفة. وتغلب رميثة وحميضة على مكة، شرفها الله تعالى، ثم قبض بيبرس الجاشنكير على رميثة وحميضة في هذه السنة، وكان قد حج وتولى أبو الغيث على مكة، ثم بعد سنين أطلق حميضة ورميثة فغلبا على مكة، وهرب عنها أبو الغيث، ثم اقتتل حميضة ورميثة، فانتصر حميضة واستقر في مكة حرسها الله تعالى، ثم كان منه ما سنذكره إن شاء الله تعالى.

.ما وقع من أحداث سنة اثنتين وسبعمائة:

ثم دخلت سنة اثنتين وسبعمائة:
ذكر فتح جزيرة أرواد:
وفي محرم من هذه السنة، فتحت جزيرة أرواد، وهي جزيرة في بحر الروم قبالة أنطرطوس، قريباً من الساحل، اجتمع فيها جمع كثير من الفرنج، وبنوا فيها سوراً وتحصنوا في هذه الجزيرة، وكانوا يطلعون منها ويقطعون الطريق على المسلمين، المترددين في ذلك الساحل، وكان النائب على الساحل إذ ذاك سيف الدين أسندمر الكرجي، فسأل إرسال أسطول إليها، فعمرت الشواني وسارت إليها من الديار المصرية في بحر الروم، ووصلت إليها في المحرم من هذه السنة، وجرى بينهم قتال شديد، ونصر الله المسلمين وملكوا الجزيرة المذكورة، وقتلوا وأسروا جميع أهلها، وخربوا أسوارها، وعادوا إلى الديار المصرية بالأسرى والغنائم.
ذكر دخول التتر إلى الشام وكسرتهم مرة بعد أخرى:
وفي هذه السنة عاودت التتر قصد الشام، وساروا إلى الفرات، وأقاموا عليها مدة في أزوارها، وصارت منهم طائفة، تقدر عشرة آلاف فارس، وأغاروا على القريتين وتلك النواحي، وكانت العساكر قد اجتمعت بحماة عند زين الدين كتبغا النائب بحماة، الملقب بالملك العادل، وكان مريضاً من حين عاد من بلاد سيس، كما تقدم ذكره، واسترخت أعضاؤه، فلما اجتمعت العساكر عنده، وقع الاتفاق على إرسال جماعة من العسكر، إلى التتر الذين أغاروا على القريتين، فجردوا أسندمر الكرجي نائب السلطنة بالساحل، وجردوا صحبته جماعة من عسكر حلب، وجماعة من عسكر حماة، وجردوني أيضاً من جملتهم، فسرنا من حماه سابع شعبان من هذه السنة، واتقعنا مع التتر على موضع يقال له الكرم، قريباً من عرض، واقتتلنا معهم يوم السبت عاشر شعبان من هذه السنة، الموافق لسلخ آذار، وصبر الفريقان، ثم نصر الله المسلمين وولى التتر منهزمين، وترحل منهم جماعة كثيرة عن خيلهم، وأحاط المسلمون بهم بعد فراغهم من الوقعة، وبذلوا لهم الأمان فلم يقبلوا، وقاتلوا بالنشاب، وعملوا سروج الخيل ستائر لهم، وناوشهم العسكر القتال، من الضحى إلى انفراك الظهر، ثم حملوا عليهم فقتلوهم عن آخرهم، وكان هذا النصر عنوان النصر الثاني على ما نذكره، ثم عدنا مؤيدين منصورين، ووصلنا إلى حماة يوم الثلاثاء ثالث عشر شعبان المذكور، الموافق لثاني نيسان.
ذكر المصاف الثاني والنصرة العظيمة:
وفي هذه السنة، سار التتر بجموعهم العظيمة، صحبة قطلوشاه نائب قزان، بعد كسرتهم على الكوم، ووصلوا إلى حماة، فاندفعت العساكر الذين كانوا بها بين أيديهم، وسار زين الدين كتبغا في محفة، وأخرني بحماة لكشف التتر، فوصل التتر إلى حماة في يوم الجمعة الثالث والعشرين من شعبان من هذه السنة، فلما شاهدت جموعهم ونزولهم بظاهر حماة، وكنت واقفاً على العليليات، سرت من وقتي ولحقت زين الدين كتبغا بالقطيفة، وأعلمته بالحال، وسارت العساكر الإسلامية إلى دمشق، ووصلت أوائل العساكر الإسلامية من ديار مصر صحبة بيبرس الجاشنكير، واجتمعوا بمرج الزنبقية بظاهر دمشق، ثم ساروا إلى مرج الصفر لما قاربهم التتر، وبقي العسكر منتظرين وصول السلطان الأعظم الملك الناصر، وسارت التتر وعبروا على دمشق طالبين العسكر، ووصلوا إليهم عند شقحب بطرف مرج الصفر، واتفق أن ساعة وصول التتر إلى الجيش، وصل مولانا السلطان بباقي العساكر الإسلامية، والتقى فريقان بعد العصر من نهار السبت، ثاني رمضان من هذه السنة، أعني سنة اثنتين سبعمائة، وكان ذلك في العشرين من نيسان، واشتد القتال بينهم، وتكردست التتر على الميمنة، فاستشهد من المسلمين خلق كثير، منهم الحسام أستاذ الدار، وكان رأس الميمنة، وكان برأس الميمنة أيضاً سيف الدين قبجق، فاندفع هو وباقي الميمنة بين أيدي التتر، وأنزل الله نصره على القلب والميسرة، فهزمت التتر وأكثر القتل فيهم، فولى بعض التتر مع توليه منهزمين لا يلوون، وتأخر بعضهم مع جوبان، وحال الليل بين الفريقين، فنزل التتر على جبل هناك بطرف مرج الصفر، وأشعلوا النيران وأحاطت المسلمون بهم، وأصبح الصباح وشاهد التتر كثرة المسلمين، فانحدروا من الجبل يبتدرون الهرب، وتبعهم المسلمون فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وكان في طريقهم أرض متوحلة، فتوحل فيها عالم كثير عن التتر، فأخذ بعضهم أسرى، وقتل بعضهم، وجرد من العسكر الإسلامي جمعاً كثيراً مع سلار، وساقوا في إثر التتر المنهزمين إلى القريتين، ووصل التتر إلى الفرات، وهي في قوة زيادتها، فلم يقدروا على العبور، والذي عبر فيها وهلك، فساروا على جانبها إلى جهة بغداد، فانقطع أثرهم على شاطئ الفرات وهلك من الجوع،، وأخذ منهم العرب جماعة كثيرة، وأخلف الله تعالى بهذه الوقعة ما جرى على المسلمين في المصاف، الذي كان ببلد حمص، قرب مجمع المروج في سنة تسع وتسعين وستمائة، ولما حصل هذا النصر العظيم، واجتمعت العساكر بدمشق، أعطاهم السلطان الدستور، فسارت العساكر الحلبية والحموية والساحلية إلى بلادهم، فدخلنا حماة مؤيدين منصورين، في يوم السبت سادس عشر رمضان من هذه السنة، الموافق لرابع أيار من شهور الروم.
ذكر وفاة زين الدين كتبغا وولاية قبجق حماة:
وفي هذه السنة، أعني سنة اثنين وسبعمائة في ليلة الجمعة، عاشر ذي الحجة، توفي زين الدين كتبغا المنصوري، ونائب السلطنة بحماة، والمذكور كان من مماليك السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي، فترقى حتى تسلطن، وتلقب بالملك العادل، وملك ديار مصر والشام في سنة أربع وتسعين وستمائة، ثم خلعه نائبه لاجين، وأعطاه صرخد، على ما تقدم ذكره في سنة ست وتسعين وستمائة، واستمر مقيماً بصرخد من السنة المذكورة إلى أن اندفعت المسلمون من التتر على حمص، في سنة تسع وتسعين وستمائة، فوصل كتبغا المذكور من صرخد إلى مصر، وخرج مع سلار والجاشنكير إلى الشام، فقرره نائبا بحماة على ما تقدم ذكره، في سنة تسع وتسعين وستمائة، ثم أغار على بلادسيس، فلما عاد إلى حماة مرض، قبل دخوله إلى حماة؛ وطال مرضه، ثم حصل له استرخاء، وبقي لا يستطيع أن يحرك يديه ولا رجليه، وبقي كذلك مدة، وسار من حماة إلى قريب مصر جافلاً بين يدي التتر، لما كان المصاف على مرج الصفر، ثم عاد إلى حماة وأقام بها مدة يسيرة، وتوفي في التاريخ المذكور من هذه السنة.
ولما توفي أرسلت أعرض على الآراء الشريفة السلطانية إقامتي في حماة، على قاعدة أصحابها من أهلي، فوجد قاصدي الأمر قد فات، وقررت حماة لسيف الدين قبجق المقيم بالشوبك، وكتب تقليده بها في هذه السنة، وحصل إلي من الصدقات السلطانية الوعود الجميلة الصادقة بحماة، وتطييب الخاطر، والاعتذار بأن كتابي وصل بعد خروج حماة لقجبق، ووصل قجبق إلى حماة في السنة المقابلة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر غير ذلك من الحوادث:
في هذه السنة توفي فارس الدين البلي الظاهري، نائب السلطنة بحمص. وفيها توفي القاضي تقي الدين محمد بن دقيق العيد، قاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية، وكان إماماً فاضلاً، وولي موضعه القاضي بدر الدين محمد الحموي، المعروف بابن جماعة.
وفيها كانت زلزلة عظيمة هدمت بعض أسوار قلعة حماة، وغيرها من الأماكن بالبلاد، وهدمت بالديار المصرية أماكن كثيرة، وهلك خلق كثير تحت الهدم، وخربت من أسوار إسكندرية ستاً وأربعين بدنة.

.ما وقع من أحداث سنة ثلاث وسبعمائة:

ثم دخلت سنة ثلاث وسبعمائة:
ذكر وفاة قازان ملك التتر:
في هذه السنة توفي قازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طلو بن جنكزخان، بنواحي الري، في أواخر هذه السنة، وكان قد ملك في أواخر سنة أربع وتسعين وسبعمائة، فيكون مدة مملكته ثمان سنين وعشرة أشهر، وكان قد اشتد همه بسبب هزيمة عسكره وكسرتهم على مرج الصفر، فلحقه حمى حادة ومات مكموداً، ولما مات قازان، ملك أخوه خربند بن أرغون، وكان جلوسه في الملك في الثالث والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة، وتلقب الجنبو سلطان.
ذكر قدوم قبجق إلى حماة:
قد تقدم في سنة اثنتبن وسبعمائة، ذكر وفاة زين الدين كتبغا نائب السلطنة بحماة، وأنه رتب موضعه سيف الدين قبجق، وكانت الشوبك إقطاع قبجق، وكان مقيماً بها، فلما أعطي نيابة السلطنة بحماة وارتجعت منه الشوبك، أقام بها حتى جهز أشغاله، وسار من الشوبك في ثالث صفر من هذه السنة، أعني سنة ثلاث وسبعمائة، ولما قارب حماة خرجنا لملتقاه إلى العنثر، وعملنا له الضيافات، وقدمنا له التقادم، وسرنا معه ودخلنا حماة في صبيحة يوم السبت، وهو الثالث والعشرين من صفر من هذه السنة، والموافق السادس تشرين الأول من شهور الروم، ونزل بدار الملك المظفر صاحب حماة، واستقر قدمه بحماة.
ذكر غير ذلك من الحوادث:
في هذه السنة، بعد العصر من نهار الأحد، خامس جمادى الأولى، وخامس عشر كانون الأول، توفيت عمتي مؤنسة خاتون، بنت الملك المظفر محمود ابن ملك المنصور محمد ابن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، وأمها غازية خاتون، بنت السلطان الملك الكامل، وكان مولد مؤنسة خاتون المذكورة في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وكانت كثيرة الصدقات والمعروف، عملت مدرسة بمدينة حماة تعرف بالخاتونية، ووقفت عليها وقفاً جليلاً، رحمها الله تعالى، ورضي عنها، وهي آخر من كان قد بقي من أولاد الملك المظفر صاحب حماة.
وفيها كثر الموت في الخيل، فهلك منها ما لا يحصى، حتى خلت غالب اسطبلات الأمراء والجند.
وفيها توفي عزالدين أيبك الحموى نائب حمص.
وفيها توفي إلى الحجاز الشريف لقضاء حجة الفرض، ووجدت سلار قد حج من جهة مصر، وصحبته عدة كثيرة من الأمراء، ووقفنا الإثنين والثلاثاء للشك في أول الشهر وعدنا إلى البلاد، وخرجت هذه السنة ونحن قد برزنا من مدينة الرسول، صلى الله عليه وسلم.
وفي أواخر هذه السنة، جردت العساكر من مصر، وسيف الدين قبجق بعسكر حماة، وقراستفر بعسكر حلب، ودخلوا إلى بلاد سيس، وحاصروا تل حمدون، وفتحوها بالأمان، وارتجعوها من الأرمن، وهدموها إلى الأرض، ولم أحضر هذه الغزاة لأني كنت بالحجاز الشريف حسبما ذكر.

.ما وقع من أحداث سنة أربع وسبعمائة:

ثم دخلت سنة أربع وسبعمائة:
وفي هذه السنة وصل من المغرب ركب كبير، وصحبتهم رسول من أبي يعقوب يوسف بن يعقوب المريني ملك المغرب، ووصل صحبته إلى ديار مصر هدية عظيمة من الخيول والبغال، ما يقارب خمسمائة رأس من الخيل العربية، بالسروج واللجم والركب المكفنة بالذهب المصري.
وفيها وصل إلى مصر صاحب دنقلة، وهو عبد أسود اسمه أياي، ووصل صحبته هدية كثيرة في الرقيق والهجن والأبقار والنمور والشب والسنباذج، وطلب نجدة من السلطان، فجرد معه جماعة من العسكر، وقدم عليهم طقصبا نائب السلطنة بقوص.
وفيها أعيد رميثة وحميضة، ابنا أبي نمي لما ملك مكة حرسها الله تعالى.
وفيها توفي جماز بن شيحة صاحب مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وملك بعده ابنه منصور بن جماز.
وفيها وصلت إلى حماة في يوم السبت عاشر صفر، عائداً من الحجاز الشريف، بعد زيارة القدس الشريف والخليل صلوات الله عليه وسلامه.